الفساد ينخر الشرعية من الداخل ويدفع بها نحو الهاوية"باكريت نموذجا".

 

تحقيق استقصائي : خاص

 

 

ترجع أسباب إرتفاع هرمون الوطنية عند المسؤولين وفي إطار المناطق الجغرافية الواقعة تحت سيطرة حكومة الشرعية لا سيما في التحولات الأخيرة التي واجهتها حكومة الشرعية تحديدا في محافظة المهرة اليمنية الواقعة في أقصى شرقي اليمن، إلى بروز الديناميكيات السياسية بين اللاعبين المحليين والإقليميين، بما في ذلك السياسات الكامنة وراء المكاسب الأخيرة التي حققها أبرز كبار المسؤولين المهريين وعلى وجه التحديد محافظ محافظة المهرة السابق/ راجح سعيد باكريت والذي جاء إلى منصبه كمحافظ من خارج العمل الحكومي ومؤسسات الدولة.

 

 

تحقيق استقصائي؟

 

 

بخطوات تدريجية وبإيعاز خاص تم تعيين باكريت محافظا للمهرة في نوفمبر من العام 2017م ، بقرار من الرئيس عبد ربه منصور هادي خلفا للمحافظ السابق محمد عبد الله كدة، ليستمر في قيادة المحافظة خلال فترة مدتها عامان وأربعة أشهر محافظا لمحافظة المهرة الواقعة في شرقي اليمن، وهي فترة تبدو في طبيعتها قصيرة المدى، لكنها كبيرة قياسا بما خلفته من تداعيات ونتائج بالنسبة للمهرة ولليمن بشكل عام.

 

إرتفاع هرمون الوطنية عند المسؤولين

في هذا التحقيق استطعنا الحصول وبصعوبة بالغة على وثائق سرية وحصرية كشفت في مضامينها عن عدة أسباب موضوعية لحالة عدم الاستقرار والخفايا والبؤر التي أدت الى ديمومة الصراع في محافظة المهرة والتي لا تزال تنشط منذ إقالة باكريت الذي ترك للمحافظ الخلف إرثا تقيلا لتتصدر بذلك المحافظة العناوين الأولى داخل اليمن وخارجه كساحة اضطراب، وبؤرة فوضى خلافا لسجية المجتمع المهري المحافظ، رغم الجهود التي يبذلها المحافظ الحالي الخلف للمهرة والواقعة جغرافيا في أقصى شرقي اليمن، ويبلغ طول الشريط الحدودي بين المهرة وسلطنة عمان حوالي 300 كيلومتر تقريبًا، يمتد من بحر العرب إلى السعودية ، وتمتد على مساحة تزيد عن 67 ألف كيلومتر مربع، ما يجعلها ثاني أكبر محافظات اليمن بعد حضرموت الواقعة على حدودها الغربية.

 

 

خفايا وأسرار بؤر الفساد

 

وخلال متابعتنا للأحداث وتتبعنا لخيوط وتفاصيل بؤر الفساد الذي ينخر في الشرعية من الداخل وربما قد يدفع بها نحو الهاوية ، وبعد عدة جولات مضنية من المتابعة والبحث الاستقصائي عن المعلومات الدقيقة والتي حصلنا عليها من مصادر موثوقة وسرية وهي عبارة عن وثائق ومذكرات رسمية // مرفقة في هذا التحقيق// استطعنا بموجبها التعرف على تفاصيل ما حدث خلف الكواليس ايان فترة حكم راجح سعيد باكريت وهو ما لم يتناوله الجانب الاعلامي من قبل ، خصوصا فيما يتعلق بأكبر عمليات وصفقات الفساد المالي والإداري، إضافة الى ما كان يقوم به باكريت من أنشطة وتحركات وتمويلات سياسية واجتماعية وجغرافية مبنية على علاقات سرية لوجستية على المستوى الأمني والعسكري والاستغلال المباشر والغير المباشر لكل ما كان يتمتع به من النفوذ الإداري وتوظيف ذلك لمصالحة الشخصية وأجندته المختلفة على مستوى الإطار الجغرافي لمحافظة المهرة او للمحافظات الجنوبية واليمن بشكل عام ، وذلك طوال فترة تعيين راجح باكريت محافظا للمهرة من 17 نوفمبر 2017 حتى 23 فبراير 2020م.

 

صعود فاعلين جدد ..أجنده سرية

تشير التقارير والمعلومات الى الكثير من الحقائق والاستدلالات على الأرض ،حيث شكل صعود فاعلين جدد مؤثرين في البيئة السياسية والأمنية المحلية تجاذبات للكثير من القوى وفرصه كبيرة أمثال / راجح باكريت - في تمرير صفقاته وأجندته على خارج المسار العام القانوني والامني للشرعية ، اضافة الى الارتباط والعلاقات السرية التي ساهمت الى جد كبير في تعزيز نفوذه ومحاولة فرضه لسلطة امر الواقع ، فقط لكونه يعد من الشخصيات القبلية المهرية وهو من مواليد مديرية حوف، محافظة المهرة سنه 1975م عضو مجلس الشورى، ومحافظ المهرة سابقا، وأحد مشايخ قبائل المهرة، وشيخ ضمان من قبل شؤون القبائل، أما خبرته المهنية الوحيدة المعروفة سابقًا في المهرة فقد كان مدرسًا معيناً من قبل وزارة التربية والتعليم قبل عام 2000م. 

 

بعد أقل من أسبوع على نصب كمين للقوات السعودية واليمنية في المهرة، أقال الرئيس عبدربه منصور هادي في 23 فبراير/شباط، محافظ المهرة راجح باكريت والذي تزامنت فترة توليه لمنصبه ظهور مشاعر الإحباط المحلية ، في حين سبق لرئيس الحكومة معين عبدالملك وان أصدر قرارًا بإيقاف محافظ المهرة راجح باكريت عن مزاولة عمله كمحافظ لمحافظة المهرة، لأسباب كثيرة أبرزها قضايا الفساد الإدارية والمالية والسياسية والأمنية، كننا سنسلط الضوء في سياق هذا التحقيق ومن واقع السندات والوثائق على صفقات الفساد الإدارية والمالية بعد أن كشفت حكومة معين عبدالملك قيام باكريت بالاستيلاء على (18) مليار ريال يمني هي إيرادات الجمارك والضرائب في منافذ المحافظة وقيامه باستحداث حساب جديد تحت مسمى دعم الحكومة والتصرف بالمبالغ الموردة إليه.

 

 

وثائق حصرية .. لأكبر عملية فساد مالي

كشفت احدى هذه الوثائق السرية والتي حصلنا عليها (مرفق) وهي عبارة عن رسالة من وزير المالية الى رئيس الحكومة بتاريخ 31/3/2019م ، تؤكد قيام محافظ المهرة راجح باكريت بالتدخل في شؤون مصلحة الجمارك ، من خلال استغلال منصبة واصدار قرار رقم (49) لسنة 2019م ، بتعين أحد أقاربه مديرا للشؤون المالية بجمرك ( شحن/ المهرة ) خارج نطاق الاختصاص ، اضافة الى منح التخفيضات والاعفاءات لبعض السلع ، وكذلك تحويل ايرادات الدوائر الجمركية لحساب السلطة المحلية لتكون تحت تصرفه الشخصي في مخالفة واضحة لأحكام القانون المالي ولائحته التنفيذية.

 

 

ووفقا لما أوردته الوثيقة وبناء على رسالة وزير المالية فقد وجه رئيس الوزراء الى محافظ المهرة برسالة رقم (37/395) بتاريخ 8/4/2019م صادرة من رئاسة مجلس الوزراء والذي يخاطبه فيها بإلغاء قرار تعيين احد أقاربه في الشؤون المالية، والالتزام والتقييد بعدم تجاوز اختصاصات وزارة المالية ومصالحها الايرادية وتوريد الرسوم والعائدات الضريبية والجمركية الى حساب الحكومة طرف البنك المركزي.

 

 

وجاءت الإطاحة بباكريت، عقب احتياجات شعبية واسعة طالبت بإقالته ومحاسبته على الفساد والتلاعب بالمال العام وفشله في إدارة المحافظة وتواطؤه مع عدد المشاريع التابعة لعدد من القوى والأجندة المحلية والدولية، وذلك في إطار الإطاحة بالشرعية كما تؤكده المعلومات والوثائق في المذكرة الصادرة من رئاسة الوزراء رقم (د/4/894) بتاريخ 7/7/2019م والموجهة الى رئيس الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، والمقيدة في سجل الوارد للهيئة برقم (37) بتاريخ 14/7/2019م ، والتي تتضمن الرد على رسالة الهيئة رقم (122) بتاريخ 1/7/2019م بشان تعزيز ما تضمنته مذكرة محافظ البنك المركزي اليمني بالزام السلطة المحلية بمحافظة المهرة ومؤسسات الدولة بالمختلفة بإيداع إيرادات الحكومة في الحسابات الخاصة بها في البنك المركزي وعدم الصرف منها إلا وفق الإجراءات والضوابط القانونية والزام الجهات المسؤولة بإيقاف تهريب العملة الأجنبية من منفذ شحن. 

 

 

معطيات وشواهد... يقف خلفها باكريت

ووفقا لما تضمنه المذكرة فقد اكد رئيس مجلس الوزراء انه تم اتخاذ عددا من الاجراءات وتتمثل في مخاطبة محافظ المحافظة راجح باكريت بمذكرة رقم (رو/37/395) بتاريخ 8/4/2019م ، ورقم (رو/37/659) بتاريخ 9/5/2019م ، ورقم (رو/37/705) بتاريخ 15/5/2019م ، وذلك بالتقيد الصارم بعدم تجاوز اختصاصات وزارة المالية ومصالحها الايرادية وتوريد الرسوم والعوائد الضريبية والجمركية الى ح/الحكومة طرف البنك المركزي.

 

إضافة الى مخاطبة رئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ، برسالة رقم (رو/28/743) بتاريخ 18/6/2019م وبتشكيل فريق للنزول لمراجعه الاختلالات المشار اليها والرفع بتقرير بذلك ، ومخاطبة النائب العام برسالة رقم (رو/41/742) بتاريخ 18/6/2019م ، وفقا لمضمون الوثيقة (المرفقة).

 

في حين تضمنت احاطة الدكتور معين عبدالملك رئيس مجلس الوزراء والتي خاطب فيها كل من نائب رئيس الوزراء – وزير الداخلية – رئيس جهاز الامن القومي – رئيس جهاز الامن السياسي برسالة رقم (رو/9/785) بتاريخ 25/6/2019م ، والمتضمنة تفعيل الاجراءات الامنية والفنية والقانونية لمنع تهريب العملات الاجنبية من نفذ شحن وبقية المنافذ البرية والجوية.

 

وعطفًا على ما سبق من معطيات وشواهد ي في هذا التحقيق الاستقصائي والذي يعكس وفقا للمعلومات الصورة الحقيقية للسيناريو الذي لعبه راجح باكريت في ممارسة عملية الاستقواء والنفوذ وتسخير كافة الموارد والايرادات المالية لصالح أجندته الخاصة وهذا ما تكشف عنه الوثائق التي استطعنا الحصول عليها اثناء عملية اعداد هذا التحقيق . 

حيث بلغت ديون السلطات المحلية والتزاماتها للمقاولين والتجار تحت قيادة باكريت أكثر من (60 ) مليار ريال يمني، وفقًا لمسؤول في السلطة المحلية فضل - عدم الكشف عن اسمه – فيما ارتفعت عائدات الجمارك من منفذ شحن البري شكلياً حسب اخر تقرير مالي الى (40) مليار ريال يمني، وبينت الوثائق التي كشفت جزءً من الفساد الكبير الذي مارسه راجح باكريت خلال توليه محافظة المهرة، اضافة الى ما أكده محافظ المهرة الحالي محمد علي ياسر في لقاء موسع مع الشيوخ والأعيان، عن ( 59 ) مليار ريال مديونية خلفها سلفه من بينها شراء سيارات بمبالغ باهضه.

 

تداعيات خطيرة.. ما بعد الإقالة

 

لعل ما بعد تداعيات اقالة راجح باكريت والتي طالت أيضا المال العام الذي تعرض للنزيف في أكبر عملية فساد شهدتها المحافظة ولا زالت تعاني منها الى اليوم، وهو ما وثقته وتحدثت عنه وثائق رسمية كشفت جزءا فقط من عمليات الاختلاس للمال العام وتبديد الميزانية العامة للمحافظة في مجالات صرف هدفت لشراء الولاءات والنفوذ، ناهيك عن حالة الفساد الأخرى التي كانت تمارس في منافذ المحافظة من خلال تسهيل عمليات تهريب الأسلحة الإيرانية للمليشيات الحوثية.

الى جانب تسهيل عمليات تهريب المخدرات والعملات المحلية ، وتمويل عددا من الجيوب والخلايا التي تتولى تبادل المعلومات اللوجستية مقابل صفقات مالية سرية متعددة المصادر.

 

ووفقا لنتائج الاستبيان الذي أجريناه مع عدد من الفئات الخاصة وذلك لمعرفة دوافع ودلالات المشهد الحاصل في محافظة المهرة لأهمية موقعها الجغرافي والحدودي، وأسباب تنامي الخلافات المحلية وأبعاد نقل المشهد السياسي على المستوى الاقليمي والدولي، ومن يقف وراء عملية إجهاض أجندة الشرعية.

نتائج صادمة وغير متوقعة

إلا انه وفور انتهاءنا من تحليل نتائج الاستبيان فقد كانت النتيجة صادمه وغير متوقعه، حيث أكد ممن أجرينا معهم الاستبيان وبنسبة 82% من الإجمالي الكلي أن ما يحدث في محافظة المهرة من احداث ومواقف أدت الى تمزيق النسيج القبلي وإثارة الخلافات والصراعات بين المكونات القبلية والمجتمعية والتي كانت متوحدة وبمثابة حصنا منيعا للدفاع عن المهرة وتحييدها من كافة الصراعات وصد أي مطامع عنها، إلا انها تبعثرت منذ تعيين راجح باكريت محافظا للمهرة ، وأن الاخطر وفقا لنتائج الاستبيان يتمثل في المخاوف من ردة الفعل التي برزت بعد اقالة باكريت من منصبه وتعيين خلفا له ، الامر الذي أدى الى ظهور تحركات للجماعات والخلايا الممولة من قبل راجح باكريت الذي استحوذ على أرقام مالية خيالية وزرع له عشرات المصادر من أقاربه في مختلف مؤسسات المحافظة .

 

إضافة الى إشراف باكريت بشكل مباشر على خلق وتنفيذ سيناريوهات الفوضى وخلط الأوراق لصالح بعض الأجندة الخارجية والمحلية وأبرزها دعم ومساندة تحرك المجلس الانتقالي نحو المهرة بما تم الاستحواذ علية من الاموال والايرادات التي تذهب لجيوب ذات الشبكة المقربة من باكريت، وهذا ما يثير مخاوف المهريين من حقيقة تحركات راجح باكريت بشكل مباشر وغير مباشر في صف الانتقالي الجنوبي وخدمة للقوى المحلية والدولية من أول يوم ويعمل معهم بكل ترتيبات الانقلاب على الشرعية.

<